"ألفريد نوبل"..ملك المفرقعات في العالم.. صانع الموت!

المتابع لقصة حياة "ألفريد نوبل"، يجد تصديقا لمقولة أن الطريق إلى الجحيم مفروش دائما بالنوايا الحسنة، وأن تلك النوايا ومهما كانت مبطنة بأماني الخير والرخاء للبشرية كلها، قد تجلب الوبال والدمار إلى العالم كله..
رجل الألغام
كان "عمانوئيل نوبل" رجلا من النوع الذي ينظر إلى أي كوبري أو منشأة، ويحدد بدقة بالغة مقدار المتفجرات الذي تحتاجه هذه المنشأة وأماكن زرع المتفجرات، قبل أن يشرع في أداء عمله، وفي ثوان تتحول تلك المنشأة إلى غبار يذروه الرياح، فقد كان مهندسا مدنيا ينشئ الكباري والجسور، ومخترعا يقوم بعمل المتفجرات.. وحتى تاريخ ميلاد "ألفريد نوبل" في 21 أكتوبر 1833 في استوكهولم بالسويد، لم يكن هناك شيء قد استحال تفجيره على "عمانوئيل نوبل"..
ولكن يبدو أن مجيء "نوبل" كان مصدر تعاسة وسعادة الأسرة في نفس الوقت، مثلما سيظل "ألفريد نوبل" منذ تلك اللحظة مصدر سعادة وتعاسة البشرية كلها، فقد أفلست الأسرة في نفس العام الذي ولد فيه "ألفريد"، واحترق سكن العائلة، مما دفع الأب إلى السفر إلى فنلندا عام 1837 بحثا عن لقمة العيش، قبل أن يرتحل إلى بطرسبرج عاصمة روسيا القيصرية، وما لبث أن تحسنت أحواله المادية بعقده عدة صفقات مع الجيش الروسي، فدعا أسرته لتلحق به في بطرسبرج.. وقد اشترك "عمانوئيل نوبل" في حرب القرم التي دارت بين روسيا من جهة وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى عام 1853- 1856، وحصل "عمانوئيل" على وسام الإمبراطور الذهبي من قيصر روسيا تقديرا لمجهوده في تلك الحرب، حيث حصن الطرق إلى مدينة بطرسبرج وبحر البلطيق بالألغام، فلم تستطع السفن الغازية أن تقترب من المدينة..


وقد وفر "عمانوئيل" في مدينة بطرسبرج تعليما راقيا لأبنائه الأربعة، وقد ظهر اهتمام "ألفريد" بشكل خاص بالشعر والأدب، فلم يكن ذلك على هوى والده الذي أراد لولده أن يمتهن نفس مهنته، وكان من الواضح أن "عمانوئيل" يعد "ألفريد" منذ ولادته لهذه المهمة، فلم يكد "ألفريد" يبلغ السابعة عشرة من عمره حتى كان يجيد الألمانية والروسية والفرنسية والإنجليزية بجانب لغته الأم السويدية، فقرر "عمانوئيل" أن يجوب "ألفريد" العالم لكي يدرس الكيمياء والفيزياء، فزار "ألفريد" السويد وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا، وفي باريس عمل "ألفريد" لبعض الوقت في مختبر كيميائي خاص بالبروفيسور "بيلوز"، وهناك تعرف على الاختراع الجديد في ذلك الوقت (النيتروجليسرين)، وهي مادة سائلة متفجرة، ولكنها خطرة جداً لأن أي اهتزاز بسيط يؤدي إلى استثارتها وانفجارها بكل سهولة، وزامل مخترعها الإيطالي "أسانوي يرو"..
وهكذا تلاقت وجهات النظر بين الأب والابن، ومع انتهاء الصفقات التي أبرمها "عمانوئيل" مع الجيش الروسي، عادت الأسرة مرة أخرى إلى السويد 1862، وبالقرب من مدينة استوكهولم أنشأ "ألفريد" ووالده مصنعا لتصنيع النيتروجليسرين، ولكن هذا المصنع ما لبث أن انفجر 1864، وتسبب في مقتل الأخ الأصغر لـ"ألفريد"، "إميل"، ومعه أربعة من العمال..
قضيب الموت
كان لهذا الحادث الفضل في أن يتحول فكر "ألفريد" من مجرد تصنيع المواد المتفجرة، إلى كيفية استئناس هذه المواد وإخضاعها لرغبات الإنسان، وبعدما منعت الحكومة السويدية إجراء التجارب المتعلقة بالمواد المتفجرة بالقرب من العاصمة، نقل "ألفريد" تجاربه إلى قارب صغير وبدأ في العمل..



وقد تبين لـ"نوبل" بعد مزج النيتروجليسرين بالرمل أن هذا السائل قد أصبح جامدا صلبا وأقل قابلية للانفجار مع الاهتزاز، ومن هذه المادة أنتج القضبان الصلبة، وفي أعلى هذه القضبان وضع رأسا من المواد المتفجرة مرتبطا بفتيل يمكن إشعاله بالنار أو بشحنة كهربائية قوية، وقد حصل "ألفريد" على نتائج جيدة في عام 1866، وأسماه بالديناميت، وقد تهافتت المصانع والمعامل والقوى العسكرية على شراء هذا الابتكار، فأقام تسعين مصنعا في عشرين دولة، وظل يحاول تطويره حتى وصل عدد أنواع اختراعاته المتفجرة في عام 1896 إلى 355 نوعا، وجنى من ورائه ثروة هائلة جعلته من أثرى أثرياء العالم، وأطلق عليه لقب (ملك المفرقعات في العالم).
وقد هاجمت الصحف "ألفريد" وأطلقت عليه لقب (صانع الموت)، لأنه صنع ثروته واسمه من صناعة المتفجرات التي جرّت العالم إلى نوع جديد من الحروب المدمرة والمهلكة، وقد واجه "ألفريد" هذه الحملات بادعائه أنه كان يحلم دائما بأن يرى نهاية الحروب وأن يعم السلام العالم، وأنه كان يرى في الديناميت أملا في رخاء البشرية، من خلال استخدام الديناميت في حفر المنجم واستخراج خيرات الأرض إلى جانب حفر الأنفاق وخلافه، وقد تعلل بأن الشر الكامن في النفس البشرية هو الذي أدى إلى استخدام الديناميت كوسيلة مدمرة من وسائل الحرب.
جائزة "نوبل"..
توفي "ألفريد" في العاشر من ديسمبر 1896 في سان ريمو بإيطاليا، وقد ترك وراءه ثروة طائلة تقدر بنحو 150 مليون دولار، ولم يكن "ألفريد" قد تزوج أو أنجب، وقد رغب في وصيته أن يكفر عن إساءته البالغة إلى البشرية باختراعه الدموي، فأمر بفتح صندوق يهدف إلى منح الجوائز للمساهمين في خدمة البشرية في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام..
وأوصى أن تقوم الأكاديمية السويدية للعلوم باختيار الفائز في مجال الكيمياء والفيزياء، بينما يقوم معهد كارولينسكا الطبي باستوكهولم باختيار الفائز في مجال الطب أو الفسيولوجيا، ويقوم البرلمان النرويجي بانتخاب خمسة أشخاص يختارون الفائز بجائزة السلام العالمي، وقد أوصى بأن يكون الاختيار للجائزة استحقاقا نظيفا وأن تمنح لمن يستحق بغض النظر عن الجنسية أو العرق، وقد حاولت الحكومة السويدية الضغط على لجنة "نوبل" لتغيير الوصية وقصرها على السويديين فقط، ولكن اللجنة رفضت وقررت تنفيذ الوصية بالحرف.
ضربة البداية
بدأ تقديم جوائز "نوبل" لأول مرة عام 1901 في يوم ذكرى وفاة "ألفريد نوبل" في العاشر من ديسمبر، وقام حفل تسليم الجوائز في صالة الاحتفالات الموسيقية باستوكهولم، والصالة تتسع لألف وثلاثمائة ضيف، هم عائلات الحاصلين على الجائزة والعائلة المالكة السويدية وأعضاء البرلمان وبعض موظفي الحكومة السويدية، وأشرف على تسليم الجائزة ملك السويد نفسه بداية من عام 1902، أما جائزة السلام فيتم تسليمها في قاعة مجلس مدينة أوسلو بالنرويج وفق بنود الوصية.
والجائزة نفسها عبارة عن مبلغ من المال، تضاعفت قيمته من ثلاثين ألف دولار في السنوات الأولى لتسليم الجائزة، لتصل إلى 700 ألف دولار في التسعينيات، وتبلغ حاليا مليونا و200 ألف دولار، ويمنح أيضا ميدالية ذهبية رسم عليها صورة "ألفريد نوبل"، وشهادة تقدير.

عملة نوبل الذهبية
وقد أضيفت جائزة سادسة في الاقتصاد عام 1969، يقوم البنك السويدي بمنحها ويسدد القيمة من موارده، وذلك بمناسبة مرور 300 سنة على تأسيسه، وقد حصل على الجائزة أربعة من العرب كلهم من المصريين، وهم:

1- الرئيس الراحل "أنور السادات" (1978) في السلام مناصفة مع "مناحيم بيجين" رئيس وزراء إسرائيل السابق.

2- "نجيب محفوظ" في الأدب ( 1988) عن مجمل أعماله وخاصة رواية (أولاد حارتنا).

3- العالم مصري الأصل، أمريكي الجنسية د."أحمد زويل" (1999)، في الفيزياء، بعد توصله لاختراع كاميرا (الفيمتو ثانية)، التي تقوم بتصوير عملية التفاعل الكيمائي في جزء من ألف مليون جزء من الثانية.

4- العالم مصري الأصل، أمريكي الجنسية "محمد البرادعي"(2005) في السلام باعتباره رئيسا لوكالة الطاقة الذرية..

ومن أشهر الحاصلين على جائزة "نوبل" عائلة "مدام كوري"، حيث حصلت على الجائزة عام 1903 مناصفة مع زوجها "بيير كوري" في الفيزياء، ثم حصلت عليها منفردة عام 1911 في الكيمياء، فيما تقاسمت ابنتها الصغرى "إيريتا" جائزة الكيمياء مع زوجها "فريدريك" عام 1935، وتسلم زوج ابنتها "إيفا" جائزة "نوبل" للسلام عام 1965 نيابة عن منظمة اليونيسيف.
جائزة "نوبل" للحماقة العلمية
هي الجائزة التي لا يريدها، وتشبه جائزة الأوسكار لأسوأ ممثل أو أسوأ مخرج، وتمنح كل عام للأبحاث العلمية عديمة المضمون ولا ترجى منها أي فائدة، وتغطي الجائزة عشرة مجالات مختلفة، ويتم منحها للفائزين في مراسم احتفالية شبيهة بجائزة "نوبل" الأصلية في قاعة الاحتفالات بمسرح "هارفرد ساندرس"، وتصدر عن جامعة كمبردج البريطانية في نفس توقيت جائزة "نوبل" الأصلية.
فمثلا في علم الأرصاد الجوية، منحت الجائرة لمن يدعو لاعتماد صوت الدجاج كمقياس لسرعة الإعصار!.. وذهبت الجائزة إلى عالمين نرويجيين قدما دراسة عن تأثير النوم والبيرة على شهية الديدان الطفيلية!.. وأخرى لبحث في الأحياء عن تأثير العلكة على أمواج المخ!

البعض يرفضها
وعلى الرغم من ضخامة المبلغ المالي المقدم ضمن الجائزة، فقد رفضها "جان بول سارتر" عام أربعة وستين بدعوى أنه كان دائما يرفض التقدير القادم من جهات رسمية. كما رفض الكاتب المصري "يوسف إدريس" صفقة يتم بمقتضاها فوزه بـ"نوبل"، شريطة أن يتقاسم الجائزة مع كاتب إسرائيلي، إلا أن "إدريس" قال: إنه لا يريد صورة جديدة من اتفاق بيجين– السادات! وانتهى الأمر بعدم منحه الجائزة.


وقد وصف البعض اللجنة التي تقوم بترشيح الفائزين بالجائرة بالميل إلى العنصرية، وبأن الجائزة نفسها مجرد غطاء لتحويل الميل والانتماء لدى رجل سياسة أو استمالة عالم أو أديب نحو جانب معين.. ولكن تظل جائزة "نوبل" هي أكثر الجوائز العالمية شهرة وثراء وتقديرا.

منور يا حمدى والله

دة نورك بس يا saso_sokara99